هل سمعت عن رجلًا يحادث الموتى ؟ يشاركهم الطاولة والشاي والحديث ؟ هذه رحلتي مع الكتب والقراءة ، رحلة كان نصفها من الخيال ونصفها واقع محسوس ، فقد كان ولازال من عاداتي القرائية أن أتخذ من مؤلف الكتاب صديقًا ، يحاورني بفكرته وقصته ومعلومته ، كُل كِتاب وماهيته التي اختارها له مؤلفه ، فقد صاحبت أحمد أمين وحاولت إضحاكه وهالني بجديته ، وأمسكت يد طه حسين أقوده في طرقات القاهرة حتى أشاركه آلام أيامه ، ودخلت زنزانة علي بيغوفيتش وقرأت أوراق كان يصب فيها عصارة أفكاره وتأملاته ، وكنت أحضر أمسية شعرية فيها المتنبي وشابًا في فجر عمره يُسمّى طَرفَه بن العبد ، والجواهري زاده الشيب جلالًا معتمرًا قبعته مميلًا رأسه ينشدني قصيدة مطلعها : أقولُ مَلِلْتها .. وأَعودُ شوقاً كأني ما عَشِقْت .. ولا ملِلْتُ ويدعوني صديقي علي الطنطاوي في بيت من بيوت دمشق القديمة لا تلتقط أذناي شيئًا سوى خرخرة مياة البركة ونبرة الطنطاوي الشاميه الرقيقة ، وكان يحدثني من " أحاديث نفسه " صفحة بصفحة حتى فُجعت بعنوان مقالًا من مقالاته وحديث من أحاديثه التي كتمها في نفسه وبثها لي في هذا الكتاب ، فكانت أول جملة في هذا المقال ...