حياة بِلا غايات.. خيرًا منها الممات

 

‏ في زمن أصبح غاية المجتمعات والأفراد فيه هي المادة وجني الأرباح غفل الناس وأخص بذلك الشباب من الجنسين عن غاية أسمى من المادة ألا وهي غاية أن تكون عالي الهمة لصنع شيء لك ، أن تكون فخوراً بنفسك وأنت بين الناس ، أن تخلد اسمك بعد موتك في أي مجال كنت أنت فيه، فصنع المجد ليس حصراً على فئه من البشر دون الآخرين ، وليست محدودة بعمر معين تنتظر أن تصل إليه ، ولا ظروف تنتظر أن تتهيأ..ولنا في الشاعر الجاهلي " طرفة بن العبد" مثال في صنع ألأثر وتخليد الأسم في ذاكرة الأجيال.. فقد عاش يتيمًا، توفي أباه وهو طفل و أساء أعمامه تربيته وكان معدماً فقيراً، هذه ظروفه أما ما أنجزه هذا الشاعر فأبيات سرت مسرى الحكمة عند العرب قديماً وحديثاً.. وهو القائل يصف إقدامه على ألأمور وعُلو همته :

‏" إذا القوم قالُو من فَتى خِلتُ أَنَّنِي ●● عُنِيتُ فلم أكسل وَلَم أتَبَلَّدِ

‏أنا الرَّجل الضَّرب الذي تَعرفونهُ ●● خَشَاشٌ كَرَأسِ الحيّة المتوقدِ

‏فإن مُتُّ فَانعَيني بما أنا أَهله ●● وشُقّي علي الجيب يا ابنَه معبدِ

‏ولا تجعليني كامرِىءٍ ليس همّهُ ●● كَهَمّي ولا يغني غنائي وَمَشهدِي"

‏• وكان له إبن عم له جار عليه وتأذى منه طرفه فقال بيته المشهور

‏" وظُلمُ ذوي القٌربى أَشَدٌ مَضَاضَةً ●● علَى المَرءِ مِن وقعِ الحُسَامِ المهَنّدِ "

‏وكان قبلها يقول في ابن عمه :

‏" وَأِيأسني مِن كل خيرِ طَلَبتُه ●● كأَنّا وضعناه إلى رَمسِ ملحدِ "

‏( ويعني أنه جعلني يائسًا منه وكأني أطلبه وهو قد مات)

‏وله أبيات ساعدت في أن يبقى ذكره حيًا إلى يومنا هذا وهي التي عنيت عندما قلت أبيات سرت مسرى الحكمة عندما قال :

‏" ستبدي لكَ الأيام ماكُنت جاهلًا ●● ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوّدِ

‏عن المرء لا تسأًل وأًبصر قَرينه ●● فإن القرين بالمُقارن مُقتَدِ"

‏من يقرأ سيرة هذا الشاعر وأبياته الخالدة يتوقع أنه شاعرًا عُمّر دهرًا ، ولكن الحقيقة أن طرفه بن العبد مات وهو بعمر السادسة والعشرين، سنوات قليلة أخذت منها الطفولة نصفها والفقر والتشرد جُلها لم تمنع هذا الشاب أن يُبقِي إسمه متداولًا لأجيال بعد أجيال فلا اليُتم ولا قِصر العمر أثناه عن المجد فعلو همته ، قهر له الظروف وخلد سيرته أبد الدهر.